ما العلاقة بين التوتر والضغط النفسي بالأكزيما؟ وما دور العلاج بالطب الشمولي؟

في عالمنا المعاصر، أصبح التوتر والضغط النفسي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، لكن تأثيرهما لا يقتصر على الحالة المزاجية فقط، بل يمتد ليؤثر في الصحة الجسدية أيضًا، بما في ذلك صحة الجلد. تعد الأكزيما من أبرز الأمراض الجلدية التي تتفاقم بفعل التوتر، إذ يمكن للاضطرابات النفسية أن تؤدي إلى تفجّر الأعراض أو زيادتها حدة. ومع تعقيد العلاقة بين العقل والجسم، يبرز العلاج الشمولي كنهج متكامل لا يركز فقط على تخفيف الأعراض الظاهرة، بل يسعى لمعالجة الأسباب الجذرية وتحقيق التوازن بين الصحة النفسية والجسدية. فكيف يمكن لهذا النهج أن يساعد في السيطرة على الأكزيما وتحسين جودة الحياة؟

ما العلاقة التي تربط التوتر بالأكزيما؟

لم يتمكن الخبراء الجزم بآلية تأثير التوتر بالأكزيما بشكل كامل حتى الآن، لكن توجد بعض النظريات التي توضح كيف قد يزيد التوتر من أعراض الأكزيما، وهي كالآتي:

 

  1. عندما يتعرض المرء للتوتر، يحفّز الجسم استجابة الكر والفر Fight-or-flight response ، وبذلك يزيد من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول (Cortisol)، والإبينفرين (Epinephrine). وزيادة مستوى الكورتيزول  تخل بنظام الجهاز المناعي مما يؤدي إلى حدوث الالتهاب في الجلد، وتزيد احتمالية حدوثه لدى الأشخاص المصابين بالأكزيما. بمعنى آخر، يزيد التوتر من أعراض الأكزيما كجزء من استجابة الكر والفر.
  2. عندما يتعرض الجسم للإجهاد والتوتر تحدث تغيرات في مستوى السيتوكينات (Cytokines)، وهي بروتينات صغيرة تلعب دورًا حيويًا في تنظيم وظائف جهاز المناعة كتنشيط الخلايا المناعية أو تثبيطها، وتتحكم بنشاط خلايا الدم الحمراء ونموها، كما تؤثر في استجابة الجسم الالتهابية. فعند التعرض للإجهاد والتوتر تتأثر السيتوكينات وتزيد الالتهاب في الجلد بدورها، مما يؤدي إلى مفاقمة أعراض الأكزيما.
  3.  يؤدي التوتر إلى زيادة الالتهاب بالجسم، ويقلل فعالية جهاز المناعة، الأمر الذي يزيد من أعراض الأكزيما مثل  التهاب الجلد، والحكة، والجفاف.

 

تشير هذه النظريات إلى وجود علاقة مترابطة بين التوتر والاستجابة المناعية والالتهابات، حيث يؤثر كل منها على الآخر. فالتوتر لا يُعد مسببًا مباشرًا لأعراض الأكزيما، إنما يؤدي إلى تغييرات في الاستجابة المناعية، مما يزيد من حدة الالتهابات ويؤدي إلى تفاقم أعراض الأكزيما. في المقابل، ينعكس تفاقم الأعراض سلبًا على الحالة النفسية، مما يزيد من الشعور بالتوتر والإجهاد، مما يساهم في استمرار هذه الحلقة المتكررة.

 

ما هو العلاج الشمولي؟

نظرًا للعلاقة الوثيقة بين الأكزيما والتوتر، يصبح التحكم في كل منهما ضروريًا للتخفيف من الآخر. أي أن تقليل التوتر يساهم في تخفيف أعراض الأكزيما، وفي المقابل، السيطرة على الأكزيما تساعد في الحد من التوتر. ويساعدنا في ذلك العلاج الشمولي الذي يُعنى بعلاج المشاكل النفسية والجسدية على حدٍ سواء. لذلك يمكن لبعض الممارسات التي تندرج أسفل العلاج الشمولي أن تساهم في التخفيف من الأكزيما والتوتر، ونوضحها فيما يأتي:

 

1.    اتباع نظام غذائي صحي

تلعب التغذية السليمة دورًا أساسيًا في تزويد الجسم بالعناصر الغذائية الضرورية لصحة الجسم النفسية والجسدية. فالحد من استهلاك الأطعمة المصنعة والغنية بالدهون المشبعة والسكر المضاف يساعد في تقليل الالتهابات، كما أن تجنب الأطعمة المسببة للحساسية، مثل منتجات الألبان والغلوتين وبعض المكسرات، قد يخفف من نوبات تهيج الأكزيما لدى الأشخاص الذين يعانون من حساسيتها. في المقابل، يُنصح بالإكثار من الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة والالتهابات، مثل الخضار والفواكه، إلى جانب تناول البروبيوتيك من مصادر كالمخللات ولبن الكفير والزبادي، والأطعمة الغنية بالأوميغا-3 مثل الأسماك وزيت الزيتون.

 

2.    ممارسة التمارين الرياضية

تُعد الرياضة واحدة من أكثر الطرق فاعلية في التخفيف من التوتر والقلق والاكتئاب. إذ إنها تحفز إفراز النواقل العصبية والهرمونات التي تحسن المزاج، الأمر الذي سينعكس إيجابيًا على صحة الجلد. ويُنصح بممارسة الرياضة بمعدل 150 دقيقة أسبوعيًا ودمج التمارين الهوائية مثل المشي والجري والسباحة  وركوب الدراجة مع تمارين المقاومة لتحسين مرونة الجسم وتقوية العضلات. كما يُنصح الأشخاص المصابين بالأكزيما بالاستحمام فورًا بعد ممارسة الرياضة بماء فاتر لتجنّب تهيج الجلد الناجم عن التعرّق والتعرّض للميكروبات التي قد تنتقل من البيئة الخارجية أو أدوات الرياضة.

 

3.    ممارسة تمارين الاسترخاء والتنفس

تساعد تمارين الاسترخاء مثل التأمل واليوغا والتنفس في التخفيف من التوتر، فهي تقلل من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرنالين، وتبطء معدل ضربات القلب وتحسن تدفق الأكسجين للدماغ، الأمر الذي يمنح شعورًا بالراحة. كما أنها تعزز الوظائف الإدراكية مما يساعد في التعامل مع الضغوط اليومية ومسببات التوتر بطريقة أكثر اتزانًا وهدوءًا. وعند انخفاض معدل التوتر تقلّ بذلك محفزات الالتهاب، وبالتالي تقلّ أعراض الأكزيما.

 

4.    العلاج بالروائح العطرية

يوفر العلاج بالروائح العطرية Aroma therapy  فوائد متعددة للصحة الجسدية والنفسية، إذ إنه يساعد على الاسترخاء، و يخفف التوتر والقلق، ويقلل الألم، ويدعم صحة جهاز المناعة. ويتمثل هذا العلاج باستنشاق الزيوت العطرية مثل زيت اللافندر، زيت شجرة الشاي، زيت البابونج، وزيت إكليل الجبل، أو تطبيقها موضعيًا بعد تخفيفها بزيوت ناقلة كزيت جوز الهند، زيت الزيتون، وزيت اللوز الحلو. ولضمان الفعالية والأمان، يُنصح باستخدام زيوت عالية الجودة من مصادر موثوقة، مع استشارة المختصين قبل الاستخدام.

 

5.    طلب الدعم النفسي من المجتمع المحيط والمختصين

يعد الدعم النفسي سواء من المقربين أو المختصين أمرًا ضروريًا لتخفيف التوتر وتعزيز الصحة النفسية. إذ إن التواصل مع الأصدقاء والعائلة يخفف التوتر، بينما يساعد المختصون في تقديم استراتيجيات علاجية مثل العلاج المعرفي السلوكي لتغيير أنماط التفكير السلبية. لذلك، فإنّ الجمع بين الدعم الاجتماعي والعلاج النفسي يعزز القدرة على التعامل مع التوتر، وتحسين الصحة النفسية بشكل عام. من ناحية أخرى، يُساهم الوعي بأن المصاب بالأكزيما ليس الوحيد الذي يعاني منها في تقليل الشعور بالعزلة والقلق بشأن الإصابة، مما يخفف بدوره من التوتر وبالتالي التقليل من أعراض الأكزيما.

تجمع بين الأكزيما والتوتر علاقة مترابطة وحلقة متكررة، إذ كلاهما محفز للآخر بطريقة غير مباشرة نسبيًا. لذا فإنّ علاج أحدهما يحسن من حالة الآخر. ويساهم العلاج الشمولي في التخفيف من حدّة أعراض الأكزيما الناتجة عن التوتر من خلال تحسين الصحة النفسية وتعزيز رفاهيتها، من خلال عدّة طرق، مثل العلاج بالروائح العطرية، وممارسة التمارين الرياضية، واتباع نظام غذائي صحي وغيرها. إلى جانب عدد من الممارسات الطبيعية الأخرى التي من شأنها التخفيف من أعراض الأكزيما بشكل مباشر.

 

اقرأ أيضا

أبرز الأعشاب التي تخفف من الأكزيما