تعدّ الأكزيما اضطرابًا جلديًا مزمنًا، يسبب الجفاف، والحكة، والالتهابات، وهو يُشكّل تحديًا مستمرًا للمصابين به، خاصة مع محدودية العلاجات التقليدية طويلة الأمد. وبينما يركز الطب الحديث على السيطرة على الأعراض عبر الكريمات والمضادات الحيوية أو مضادات الالتهاب، يتجه البعض إلى العلاجات البديلة بحثًا عن حلول أكثر استدامة، ومن ضمن هذه العلاجات يأتي الوخز بالإبر الذي يحظى باهتمام واسع في الآونة الأخيرة. وهو ممارسة قديمة يُعتقد أنها تساهم في إعادة توازن الطاقة في الجسم ويُحفز عمليات الشفاء الطبيعية. لكن هل يمكن أن يؤثر هذا النهج العلاجي حقًا في الأكزيما؟
ما هو العلاج بالوخز بالإبر؟
يُعد الوخز بالإبر (Acupuncture) أحد فروع العلاج الشمولي، ويعود تاريخه إلى أكثر من 2500 عام. يرتكز هذا العلاج على إدخال إبر دقيقة جدًا في نقاط محددة بالجسم، إذ تحتوي هذه النقاط على عدد كبير من الخلايا العصبية، الأمر الذي يساعد في تحفيز عمل الأعضاء والغدد والأنسجة، وتعزيز مختلف وظائف الجسم. ويُقدر عدد هذه النقاط بحوالي 2000 نقطة يمكن استهدافها بالإبر، ووتُنشّط إما يدويًا بواسطة المعالج المختص أو من خلال التحفيز الكهربائي. وعند غرز الإبر في الجلد، يستجيب الجسم بتنشيط جهاز المناعة، وتحسين الدورة الدموية، وتخفيف الألم، وتسريع عملية التئام الجروح.
هل حقًا يساعد الوخز بالإبر في علاج الأكزيما؟
تشير الأبحاث والدراسات إلى أنّ الوخز بالإبر قد يُعد علاجاً تكميلياً للأكزيما، ولكنّه ليس حلًا جذريًا، إنما قد يساهم في التخفيف من مختلف أعراض الأكزيما. ويعتمد نجاح العلاج على السبب وراء نوبات تهيج الأكزيما. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الأكزيما مرتبطة بالحساسية الموسمية، أو الحساسية من منتجات الألبان، فإنّ الوخز بالإبر قد يساهم في التخفيف من الأعراض. إذ تشير إحدى الدراسات إلى أنّه قلل من حدة الحكة. ومن المعتقد أنّ هذا جزء من هذا التأثير عائد إلى أنه الوخز يوفر الهاءً عن الشعور بالحكة.
من جهة أخرى، قد يساعد وخز الإبر يمكن أن يساعد في تقليل عدد مرات حدوث نوبات تهيج الأكزيما، ويقلل من حجم التقرحات والبثور، كما أنه يقلل من التوتر الذي يُعد أحد محفزات الأكزيما. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ الدراسات بتعددها أُجريت على عينات بعدد صغير نسبيًا، وما تزال هذا التأثير بحاجة للمزيد من الدراسات على شريحة أكبر من الناس لتأكيده.
ولعلاج الأكزيما الخفيفة إلى المتوسطة بالوخز بالإبر فوائد متعددة:
- لا يسبب آثار جانبية.
- ذو تكلفة منخفضة.
- يخفف الألم.
- يقلل التوتر.
- يخفف من الحساسية.
- يزيد من طاقة الجسم.
- يحسن جودة النوم.
كيف يستخدم الوخز بالإبر وما هي نقاط الضغط في علاج الأكزيما؟
يلجأ المعالج بوخز الإبر إلى استهداف مناطق محددة في الجسم، بغرز إبر معدنية رفيعة بهدف تحفيز الجهاز العصبي المركزي لإفراز مواد كيميائية تعزز قدرة الجسم على الاستشفاء. وعادةً ما تستمر الجلسة لمدة تتراوح بين 20 إلى 60 دقيقة مرة إلى مرتين أسبوعيًا. وتوجد مجموعة من النقاط التي تُستهدف لعلاج الأكزيما، وهي كالآتي:
- الأمعاء الغليظة 11LI) 11): لاستهداف هذه النقطة تُغرز الإبرة في الحافة الخارجية لثنية المرفق. ومن المعتقد أنّ هذه النقطة تساعد على تخليص الجسم من الحرارة والسموم، نظرًا إلى أنّ الأكزيما قد تكون مرتبطة بزيادة حرارة الجسم والرطوبة داخله. كما أنها قد تقلل من الالتهاب، وتخفف من الحكة، و جفاف الجلد وتقشره.
- الطحال 6 (Spleen 6): والتي تغرز الإبر لاستهدافها في الجزء الجانبي لأسفل الساق. والتي تساعد في تنظيم وظائف الأعضاء الداخلية مثل الكبد والطحال والكلى لتخليص الجسم من السموم، كما أنها تساهم في تحسين الدورة الدموية. إضافة إلى أنها قد تخفف من احمرار الجلد والتهابه.
- الأمعاء الغليظة 4 (LI4): تقع في بين الإبهام والسبابة. تتميز بخصائصها المضادة للالتهاب، وقد تساهم في تقوية جهاز المناعة، وتخفيف الألم، إضافة إلى التخفيف من الحساسية والتوتر اللذان يعدان من محفزات الأكزيما.
هل لوخز الإبر آثار جانبية سلبية؟
يُعد الوخز بالإبر من العلاجات الطبية الآمنة والتي نادرًا ما تسبب آثارًا جانبية سلبية. مع الحرص على إجراء الجلسة على يد شخص مؤهل ومرخّص واستخدام إبر معقمة. وقد تظهر بعض الآثار الجانبية للعلاج بوخز الإبر وأكثرها شيوعًا الشعور بألم خفيف، أو ظهور كدمات طفيفة في موضع غرز الإبر، أو حدوث نزيف طفيف. ومن الأفضل استخدام الإبر ذات الاستخدام الواحد لتجنب الإصابة بالعدوى.
من جهة أخرى، قد لا يُعد العلاج بوخز الإبر ملائمًا للجميع إذ هناك احتمالية حدوث مضاعفات، وعليه بعض الفئات يجب عليها الامتناع عن العلاج بوخز الإبر مثل:
- الأشخاص المصابون باضطرابات النزيف أو يتناول الأدوية المميعة للدم: إذ قد يزداد خطر النزيف وظهور الكدمات في موضع غرز الإبر.
- الأشخاص الذين يستخدمون أجهزة تنظيم ضربات القلب: قد تؤثر الإبر في عمل هذه الأجهزة من خلال تداخل النبضات الكهربائية.
- النساء الحوامل: إذ من المعتقد أنّ بعض أنواع الوخز بالإبر قد تحفز الانقباضات وتؤدي إلى الولادة المبكرة.
يُعد العلاج بوخز الإبر من العلاجات التكميلية التي تستهدف نقاطًا محددة في الجسم لموازنة طاقته، وتحفيز قدرته على الاستشفاء، وتحسين الصحة بشكل عام. وتتعدد فوائد هذا العلاج بدءًا من التخفيف من التوتر والاكتئاب، والتحسين من حالات حساسية الأغذية، وتحسين جودة النوم وغيرها، وصولًا إلى علاج الأكزيما. إذ من المعتقد أنه قد يساعد في التخفيف من أعراضها لكن هذا التأثير ما يزال قيد البحث والدراسة. وتجدر الإشارة إلى ضرورة استشارة الطبيب المشرف قبل اللجوء للعلاج بوخز الإبر، والحرص على اختيار معالج مؤهل ومرخص يراعي تدابير السلامة العامة لتجنب العدوى والمضاعفات السلبية.